الشيخ جودت سعيد :اللاعنف الاسلامي :تجربة مفتوحة.(بتصرف و اختصار).
نشر في المدونة في 24اكتوبر 2014ٍ
وهو ضمن بحث على امتداد أشهر عن اشكالية العنف في الاديان (نشرت ملخصات من النتائج ضمن اعمال ملتقى دولي و في مجلة محكمة )
ملاحظة :هناك تكرار في كتابي جودت سعيد لأن الثاني بني على الأول مع اضافة عناصر هامة جديدة.
يوصم المسلمون بالعنف الديني وتركز وسائل الاتصال -من خلال الخبراء و تقاريرالبحوث والملاحقة الاعلامية -على النصوص و الأحداث و السلوكات اليومية و الأستثنائية التي ترسخ تلك الصورة .في المقابل تقدم الأديان الأخرى كداعية سلام و خير للبشرية فغاندي الرمز الهندوسي يظل المرجع للسلم ثم مانديلا المسيحي المتسامح مع من سجنوه عشرات السنين قدوة لمحبي السلام.
الأصوات المنادية بالسلم في الضفة الاسلامية يتم تغييبها أو فصلها عن جذورها .
كريم دوغلاس كرو(مجلة اسلامية المعرفة العدد25/2001). بين أن:
أول من نادى بالسلم و نبذ العنف في الأزمنة الحديثة من المسلمين العلامة أبو الكلام آزاد المتوفي في 1958 و كان مرافقا للمهاتما غاندي و ايضا طيب الله و خان عبد الغفار خان المتوفي في1988 اضافة الى وحيد الدين خان .هؤلاء تبنوا اللاعنف وهم جميعا من القارة الهندية .
ومن الخلفية الهندية أيضا هناك المفكر الباكستاني أبو الأعلى المودودي (كان ضد فصل الباكستان عن الهند)الذي كانت عباراته واضحة في خطبة له في مسجد الدهلوي بمكة المكرمة(نقله جودت سعيد):
“أوجه إليكم نصيحة : هي أن لا تقوموا بعمل جمعيات سرية لتحقيق الأهداف ، ولا تلجؤوا إلى استعمال العنف والقوة والسلاح لتغيير الأوضاع ، لأن هذه أيضاً من الاستعجال ومحاولة الوصول إلى الهدف بأقصر طريق .إن الانقلاب الصحيح السليم قد حصل في الماضي ، وسيحصل في المستقبل ، بجمعيات علنية يكون نشاطها واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار لكل إنسان .فعليكم أن تنشروا دعوتكم بطريق علني ، وتقوموا بإصلاح قلوب الناس وعقولهم في أوسع نطاق ، وتسَخَّروا الناس لغاياتكم بأسلحة من الخُلُق الكريم والفضيلة ، وأن توجهوا كل ما يقابلكم من المحن والشدائد موجهة الأبطال ، فهذا هو الطريق الذي يمكننا من عمل انقلاب عميق الجذور ، راسخ الأسس ، قوي الدعائم ، كبير النفع ، في حق هذه الأمة المسكينة ، ولا يمكن لأي قوة معادية أن تقف في وجهه “.
كلمة انقلاب معروفة في الدول المستقلة بعد سنوات من الاحتلال فهي غير مستقرة للتنافس الشرس بين الاخوة الفرقاء على السلطة.
كما أن هناك كتاب مهم تحت اسم منهاج الانقلاب الاسلامي للمودودي-متوفر الكترونيا-قد يتفاجأ البعض من محتواه بعد أن استقر في أذهان البعض أن سيد قطب –في محنته و محنة أفكاره-كان رجع صدى للمودودي خصوصا مع تبني مصطلحات اساسية من معجمية المودودي.
المودودي كتب مؤلفات (كالمصطلحات الأربعة و الحجاب نحن و الحضارة الغربية و غيرها) بأسلوب شديد يحمل صرامة ينقصها الكثير من الرفق و عندما دخل المودودي معترك السياسة لانت بعض أفكاره و تحالف مع العلمانيين في بعض القضايا التي لا تتعارض مع الدين بل أنه و هو غير المؤمن بحضور المرأة في الحياة العامة و السياسية يؤيد ترشيح أخت علي جناح لأعلى منصب في الدولة .
أبو الحسن الندوي من البيئة الهندية كان قد انتقد الأفكار الأولى للمودودي (وسيد قطب)في كتابه:التفسير السياسي للأسلام .(الكتاب متوفر الكترونيا و فيه الكثير من أدب النقد ).
هل هناك سر في كون كل هؤلاء من بيئة واحدة و حتى الرمزان العربيان لفلسفة اللاعنف في العالم العربي أحدهما كردي و الثاني شركسي و هما صهران.جودت سعيد و خالص جلبي السوريان .(خالص جلبي يحمل أيضا جنسية غربية).
أفكار الأخيرين تلقت هجوما شرسا زادها حدة الظروف غير السلمية في سوريا منذ بداية التأريخ للقمع و الابادة السياسيين و عقدتها الظروف الأخيرة في سوريا التي جعلت مبدأ اللاعنف محل اختبار شديد .
جودت سعيد ذهب الى مصر لمواصلة دراسته في الخمسينات و التقى مالك بن نبي و تاثر بمنهجه وهناك أيضا عايش جودت سعيد مشاهد العنف السياسي بين الاسلاميين و السلطة و هاله ما رأى .تحولت تجربته المصرية الثرية الى دافع الى تأمل في الثمار التي تطرحها هذه الممارسات على المدى القريب و المدى البعيد على العقل و المجتمع الاسلاميين .كان كتاب :مذهب ابن آدم الأول عام 1966 تجسيدا لموقفه الرافض للعنف و استعمال السلاح في التنافس السياسي و النابذ لاستخدام القوة للوصول للحكم بل و رفض العمل تحت الأرض أو السري من أجل التغيير خصوصا مع توظيف الدين.(للاطلاع على خريطة الانتاج الفكري لجودت سعيد بالرجوع الى موقعه الرسمي).
عندما عاد جودت سعيد الى سوريا عاش التجارب المريرة للعنف السياسي بين الاسلاميين و السلطة وكأن كتابه استشراف لم يلق صدى عند الخصوم.
تقوم أفكار جودت سعيد على قراءة القرآن بخلفية رسالة الانسان في البناء السلمي للمجتمع مركزا على قصة ابني آدم و القتل الذي دشن به ابن آدم رحة الدم. ينتصر جودت سعيد لموقف الأخ الذي رفض أن يحمل السلاح في وجه أخيه كما يستشهد بحديث:كن خير ابني آدم (تخريج الحديث).
يقدم جودت سعيد أدلة صحة أفكاره من تاريخ البشرية و المنطق العقلي و نفس المسلك اتخذه خالص جلبي في كتاباته و مقالاته ‘المتوفر أغلبها الكتونيا).
ومازالت الآراء الرافضة لاتجاه اللاعنف تجتهد أيضا باستقراء النصوص و التاريخ و المنطق العقلي في اثبات أن التغيير أسلم بالقوة و العنف.
كتاب:مذهب ابن آدم الأول (مشكلة العنف في العمل الإسلامي)هناك عدة طبعات للكتاب.
هناك كتابات و مراجعات كثيرة شرحت و حللت مشكلة العنف في العمل الاسلامي مستفيدة من تراكم تجارب الحصاد الحنظلي الذي ورثته أجيال كما استفادت تلك الكتابات بما يظهر من وثائق و مصادر و مذكرات تسمح بالقراءة الموضوعية لكن كتاب جودت سعيد مهم لارتباطه بزمن لم يتوقف الكثير فيه عند ظاهرة ستستفحل على امتداد خريطة العالم الاسلامي.
أهم أفكار جودت سعيد في هذا الكتاب تقوم على محورية الآية :
( لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقتُلَنِي مَا أَنا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيكَ لأَقتُلَكَ إِنِي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ ) ( المائدة28).
المقصود من مذهب ابن آدم الأول –كما يقول جودت سعيد–
فما ذهب إليه ابن آدم الأول هو الذي نريد أن نبينه :
1- القصد من هذا هو ألا يكون ذنب المسلم الدعوة إلى قتل أو اغتيال أو دفع الناس إلى شيء من هذا .
2- والقصد من هذا ألا يكون للمسلم ذنب إلا أن يؤمن بالله العزيز الحميد ، إلا أن يقول ربي الله .
3- القصد من هذا ألا يكون للمسلم ذنب إلا أن يتقبل الناس دعوته إلى الله .
4- القصد من هذا ألا يعرض الإنسان رأيه بالقوة على الآخرين ، وأن لا يتنازل الإنسان عن رأيه خوفاً من القوة .
5- القصد من هذا ألا يتخذ المسلم في دعوته إلى الله غير الطريقة التي سار عليها الأنبياء من مبتدئها إلى منتهاها .
6- القصد من هذا أن تتحمل الآلام من أجل مبدئك لا أن تفرض مبدأك بالآلام على الآخرين .
7- القصد من هذا أن تبذل نفسك في سبيل هداية الآخرين وإرشادهم .
8- القصد من هذا أن تقرب المثل الأعلى للخلق في التمسك بالمبدأ .
9- القصد من هذا أن لا تتبنى شيئاً لا تلتزمه إلا إذا كنت مستعداً لالتزامه وتبنيه في كل وقت وعلى مشهد من الناس
جميعاً .
وخلاصة القول في هذا كله :
أن لا توجه إلينا تهمة غير التهمة التي وجهت للأنبياء كما وردت في القرآن ، وهي قول : ( رَبُّنا الله ) .
وإن وضع المسلم الآن بين أحوال ثلاث إزاء هذا المجتمع الذي هو حركة مستمرة إن لم يكن إلى الأمام فإلى الوراء :
1- إما متربص ليستخدم القوة إذا حانت له الفرصة .
2- وإما ساكت فاقد الأمل من الإصلاح ينتظر قيام الساعة .
3- وإما من لا ينتظر هذا ولا ذاك ، وإنما يصدع بالحق دون أن يخاف في الله لومة لائم ، لأنه يرى من واجبه الأساسي الاستمرار في المعركة التي خاضها دون أن يخرج منها إلا بالنصر أو الشهادة ، وإن مثل هذه المعركة يمكن لها أن تستمر وتنجح مهما طال الزمن ، لأنها لا تحتاج إلى حماية السلاح ، كما أنها لا تحتاج إلى عدد كبير من الناس ، ففرد واحد يمكنه أن يظل في المعركة بإيمانه أمام الدنيا جميعاً . هكذا سنة الله في دعوة الأنبياء إلى الإسلام ، وكذلك شأن من له بهم أُسوة حسنة .
يحلل جودت سعيد جزئية هامة تحت عنوان :الدعاة بالنسبة إلى تهمة الإرهابية ثلاثة أصناف :
الصنف الأول :
يرى لنفسه أنه لا مانع أن يقوم بأعمال العنف أو أنه يراها واجبة عليه .
وهذا الصنف من الناس ، يمكن قمعه بكل قوة وشدة ، وبكل تبجح وادعاء للإسلام ، واتِّهامهم بأنهم خوارج وإرهابيون ، بل وسيجدون العون من المسلمين التقليدين ، وتكون المعركة بذلك ضارية ومؤذية ومؤلمة حقاً .
الصنف الثاني :
صنف من المسلمين لا يرون القيام بهذه الأعمال ، أو أنهم على الأقل لا يرونها في الوضع الراهن ، ولكن ليس لديهم الجرأة أن يعلنوا بأنهم يتبنون العمل السلمي ، والدعوة إلى الله دون استخدام القوة .
وهذا الصنف من الناس ، وإن كان لا يقوم بشيء من أعمال العنف ، إلا أنه لم يهيئ الجو الطاهر النقي ، الذي يبعد التهمة لمن يريد أن يبطش به أراد الاتهام ، فإن مثل هذه الأمور ينبغي أن يعمل حسابها ، ويتأكد من الصلات بالعاملين للإسلام ، وأنهم ليسوا معرضين لعدوى أمراض العنف . لأن طريقة الصداقة على البساطة في مثل تلك الأجواء ، الحاملة لقابلية العدوى ، تجعل الأمور بعضها ملتبساً ببعض . فلا يصعب على الذي يريد الاتهام ، أن يلصق التهم بأمثال هؤلاء الطيبين ، أصحاب النيات السليمة ، الذين لا يدركون وجوب تطهير جو المعركة من مثل هذه الأشراك الخداعية ، التي يمكن أن يعلق بها الإنسان ويصاب من جرائها بالأضرار الجسيمة .
الصنف الثالث :
هذا الصنف من الدعاة هم الذين لا يحملون أفكار الصنف الأول ، ولا هم في غموض الصنف الثاني وبساطتهم .
وإنما هم الذين عرفوا هذه الأشياء ، وكونوا لأنفسهم تاريخاً ، بحيث إن مثل هذه التهم لا يمكن أن تلتصق بهم ، بل ترتد على من يحاول الاتهام بها ، كما كان جو المسلمين يوم كانوا ينشئون المجتمع الإسلامي صافياً نقياً ، بحيث لا يستطيع أحد أن يتهمهم بمثل هذه التهم.تكوين مثل هذا التراث ، ومثل هذا التاريخ ، ومثل هذا الجو النقي صار صعباً ، وبحاجة إلى أحداث ومُثُل ، تُثبت للناس النزاهة والشجاعة في إعلان المبدأ ، وتحمل التبعات .
يقول جودت سعيد:ولا أرى في العالم الإسلامي شيئاً واضحاً حول هذا الموضوع ، وإن كان هناك من جرؤا أن يتكلم بصراحة في الموضوع فهو الأستاذ ( أبو الأعلى المودودي ) .
أفكار جودت سعيد واضحة وما توفر من فيديوهات عنها تبين أنه ماض في اثرائها لهاو لكن ما حدث في سوريا وهوكان مع سلميتها في البداية و عدم وجود مصدر اليوم لمعرفة آرائه بعد التطورات الخطيرة يرهن الاجابة على السؤال التالي:
هل صمدت سياسة اللاعنف أمم الفظائع التي ترتكبها الأطراف المتصارعة في سوريا بعد أن اصبحت كل المنطقة بركانا يغلي و يغطي على كل صوت عاقل؟
كتاب: كن كابن آدم (الموقع الرسمي) هناك عدة طبعات للكتاب.
” كن كابن آدم ” رواه الترمذي في الفتن ، باب : ما جاء أنه تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، رقم (2195) وأبو داود في الفتن ، باب : النهي عن السعي في الفتنة ، رقم ( 4259 ) وهو حديث صحيح .
تقوم أفكار جودت سعيد على عناصر مركزية أهمها:
أن تكون مثل ابن آدم، فابن آدم لا شك فيه، ولا لبس، ولا غموض، فقد استطاع أن يخرج من:
1- القتل الذي هو واضح الحرمة.
2- القتل الذي يمكن أن تكون فيه شبهة دفاع عن النفس.
3- ثم إنه تمسك بموقف لا لبس فيه، حين أخرج من نفسه فكرة القتل كلياً، ووقف الموقف الذي قصه الله تعالى علينا: (لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ، إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [ المائدة: 5/28 ]، وقال الرسول r: « كن كابن آدم » وقال: « سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله » (2)، سيد الشهداء هو الرجل الذي قُتل لأجل نصحه، لا لأنه كان يريد أن يَقتُلَ.
يضيف جودت سعيد:فكر للحظة في معنى أن يتخذ الإنسان الموقف الأحوط في أشد المحرمات التي تأتي في الحرمة مع الشرك باله، وقتل النفس التي حرم الله هو الذنب الذي لا يُغتفر.
يخاطب جودت سعيد قارئه بتحفيزه على التأمل الاستثماري لآيات القرآن و أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم لصالح حفظ الأرواح و الممتلكات و تفادي العنف الذي لا يؤدي الى أي بناءحقيقي.
أما أفكار خالص جلبي فهي تنطلق من نفس المسلمات و لكنه يؤيدها بالاكتشافات العلمية و القراءات التاريخية و التجارب من حضارات مختلفة ولكن يبقى الاشكال قائما أيضا في كتاباته أمام العنف الخطير الذي تتفنن الأطراف المتقاتلة في صناعته.