من ورشة جابر بن حيان :حول مؤرخ جابر بن حيان Paul Eliezer KRAUS
كل من يريد أن يدرس تاريخ العلوم عند المسلمين و تراث جابر بن حيان يجد كل الطرق العلمية تؤدي الى المستشرق اليهودي الالماني الصهيوني Paul Eliezer KRAUS
مدخل الصدمة
زار أحد المستشرقين مكتبة الاطاريح في جامعة اسلامية شهيرة ضحك بخبث وقال انهم يعتبرون تلخيص كتب بحثا و حتى تلك الكتب اغلبها اكتشفه و حقق اوائلها و اهمها المستشرقون ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لفهم عمق الخبث نراجع بمسؤولية عناوين البحوث الجامعية الموجودة (مثلا على النت) لنعرف معالم اتجاه الدراسات في كل التخصصات في العلوم الاجتماعية و الانسانية وهي النخاع الشوكي لكل نهضة علمية.
دراسة التراث الاستشراقي مسألة ضرورية لسبقهم في تحقيق تراث المسلمين على اسس علمية قبل ان يتصدى لهذه المهمة الحضارية الاستراتيجية علماء المسلمين حيث اضافوا الكثير من جهودهم و ان بقيت الغصة مؤلمة ان الكثير من اصول المخطوطات موزعة في انحاء العالم و ان نسبة تحقيق التراث الاسلامي لم تتجاوز الستة في المائة و ان هناك شكوكا في كون ما حقق ليس امينا مع الاصول لأسباب موضوعية و لكن ايضا لأسباب غير علمية و غير موضوعية
فيما يلي لبنات دقيقة تساعد الباحث المجد على رسم خريطتين لتراث باول كراوس.
الأولى خريطة الخلفية الشخصية و النفسية و الدينية التي حركت اختياراته لمواضيع بعينها للدراسة من تراث المسلمين.
الثانية :خريطة كتاباته منهجا واجتهادا ضمن تيار فكري ظهرت معالمه مع وفود اليهود الى فلسطين جارة مصر مركز هام للمخطوطات وأيضا الازهر وعلمائه بالإضافة الى الجامعة المصرية الناشئة.و التأسيس للجامعة العبرية خصوصا مع التخصصات الدقيقة التي تربط التراث اليهودي بالتراث الاسلامي لغة ودينا وفكرا وتقاليد وغيرها
المستشرقون منذ البداية كانت لهم اختياراتهم لما يحققون و يترجمون وينشرون و بأية منهجية أيضا.
هناك معلومات مقتضبة عن المستشرق أوردها عبد الرحمان بدوي في موسوعة المستشرقين والتي من اهم خصائصها تقديم المحرر لبعض المستشرقين بخلفية معرفته بهم سواء كطالب أو كباحث و استاذ و ايضا تكون تلك المعرفة في العالم الاسلامي خصوصا مصر او العالم الغربي خصوصا فرنسا
ومن الشخصيات التي اقترب منها عبد الرحمان بدوي:Paul KRAWS.
1- ولد Paul Eliezer KRAUS عام 1904من عائلة يهودية في مدينة براغ التي كانت جزءا من الامبراطورية النمساويةوفي1922 سافر الى فلسطين وامضى فترة من الزمن في مستوطنة اسرائيلية
2- ثم دخل مدرسة الدراسات الشرقية قي الجامعة العبرية في القدس وفي 1928 التحق بجامعة برلين في تخصص العلوم الشرقية وحصل على الدكتوراه الاولى برسالة عن رسائل بابلية قديمة موجودة في قسم الشرق الادنى في متحف الدولة البروسية في برلين كما نشر بحثا عن عن تنقيبات وكنوز اليهود في دائرة المعارف اليهودية.
3-وعين مدرسا في جامعة برلين عام1933 وغادر المانيا بصعود التيار النازي.
4- سافر الى فرنسا ووجد عناية من بعض المستشرقين كلوي ماسينيون الذي عاونه باول كراوس في مشروعه عن الحلاج و حاضر في المدرسة العلمية للدراسات العليا فرع العلوم الدينية وفي المعهد التاريخي للعلوم بالسربون وفي 1936 ثم انتدب استاذا للغات السامية في الجامعة المصرية بتزكية من لوي ماسينيون واسس هناك قاعة الدراسات الشرقية بمكتبه الجامعة
5- يقول عبد الرحمان بدوي :لم ينقطع عن الجامعة المصرية حتى انتحاره لأسباب سياسية و عائلية و فكرية(انتحر او قتل عام 1944 بالقاهرة)
6- كان ينحو في تصنيفه و تدريسه نحوا حديثا اي أن هناك تجديدا منهجيا في كتاباته الاستشراقية هي ثمرة نضج آليات البحث الاستشراقي عموما و تراكم الدراسات الاستشراقية في شتى انواع مفاصل الفكر الاسلامي
7-يتناول في دراساته الاسلام:عقيدة و شريعة و فلسفة و علما في العصر الوسيط وما اتصل به من علوم اليونان
8-وقف جانبا كبيرا من نشاطه على دراسة جابر بن حيان
9-ترجم لحياة جابر بن حيان من خلال كتاب صادر عام 1930
10-و اصدر كتابا بمختارات لنصوص جابر بن حيان عام 1935
11- اصدر كتابا عن نظريات جابر بن حيان العلمية عام 1942
12- اصدر كتابا عن نظريات جابر بن حيان الدينية و موقفه من الفرق الاسلامية
13-اصدر كتابا بمختارات من نصوص جابر بن حيان
14-ونشر دراسات في مجلات متخصصة عن جابر بن حيان منها مختارات من نصوص و رسائل جابر بن حيان ودراسة بعنوان المراتب الدينية بحسب جابر بن حيان
15-نشر في 1931ايضا نصوصا عبرية و سريانية في الكتابات الاسماعيلية وقد نشر النصوص وترجمة المانية لها مع مقدمة علمية عن الاسلام
16-اصدر كتبا عن ابن رشد و ابن سينا و ابي عبيدة الجرجاني
17-وترجم مخطوط منطق ارسطو المنسوب لابن المقفع ومقدمة برزويه لكتاب كليلة ودمنة
18_اهتم بتراث ابن الراوندي خصوصا كتاب الزمرد وتراث الرازي الطبيب والبيروني وابي اسحاق بن نوبخت والسهروردي وفخر الدين الرازي وابن النديم والحلاج بعد تواصله مع لوي ماسينيون والجاحظ وابن جبير وحمزة الاصفهاني و حنين بن اسحاق
19-له الكثير من الدراسات و المقالات عن تاريخ العلوم عند المسلمين وتاريخ التأثير اليوناني على الفكر الاسلامي ككتابه افلوطين عند العرب .
20-تواصل مع كبار مستشرقي عصره باللقاء المباشر كالمستشرقين الفرنسيين او من خلال ترجمة مؤلفات من عاصروه او سبقوه من خلفيات اخرى كالمستشرقين الروس.
21-اختاره استاذه مساعدا في معهد بحوث تاريخ العلوم فاعتكف باول كراوس على تاريخ الكيمياء عند العرب وركز على جابر بن حيان ورسائله في الكيمياء ونشر بحثا عام 1930 بعنوان”تحطم أسطورة جابر بن حيان “مدعيا ان الرسائل العديدة المنسوبة الى جابر بن حيان هي في الواقع من تأليف جماعة من الاسماعيلية القرامطة (راجع حفرية ابن النديم و فرضيات حول تراث جابر بن حيان في المدونة)
22-في فرنسا حضر باول كراوس موضوع دكتوراه ثانية عن ابي بكر الرازي ويقول عبد الرحمان بدوي انه رأى الرسالة جاهزة و لكن كراوس انتحر قبل مناقشتها
23-ورغم تمسكه بالاقامة في فلسطين المحتلة الا انه فضل التدريس في مصر لوجود المخطوطات النادرة و الكتب العامة التي تخدم مشاريعه العلمية
24-توطدت علاقته ببعض اساتذة وطلبة مصر منهم عبد الرحمان بدوي الذي يذكر في موسوعته زياراته له في مقر عمله و في بيته ولاحظ بدوي من خلال احتكاكه بهذا المستشرق و العالم اليهودي نشاطه وتتبعه للأبحاث التي يقوم بها المستشرقون في كل ارجاء العالم ولاحظ ثراء مكتبته بالكتب النادرة غير الموجودة في المكتبات العربية وكان هذا المستشرق يساعد ايضا الطلبة الباحثين منهجيا و علميا وهو ما حدث مع عبد الرحمان بدوي كما يشهد هو نفسه وكان كراوس ايضا يساعده بعض الباحثين العرب كبدوي في مشاريعه الكثيرة في بعض الترجمات لمحاضراته ولكن بدوي يعترف ان كراوس سرعان ما اتقن اللغة العربية نطقا وحديثا وكتابه ولم يعد بحاجة لأية مساعدة
25-يعترف بدوي بدور بحث كراوس عن الالحاد في الفضاء الاسلامي من خلال كتاب كراوس عن الزمرد لابن الراوندي في كتابة كتابه من تاريخ الالحاد في الاسلام
26 – المشروع الضخم عن جابر بن حيان تبنته هيئة علمية فرنسية و انتشر على عين من دوائر عديدة لأسباب مختلفة يجد معالمها الباحث المتريث عند المفاصل الدقيقة
Jâbir ibn Hayyân: Contributions à l’Histoire des Idées Scientifiques dans l’Islam I: Jâbir et la Science Grecque. Mémoires de l’Institut d’Égypte 44, 1 (1942).
Jâbir ibn Hayyân: Contributions à l’Histoire des Idées Scientifiques dans l’Islam II: Le Corpus des Écrits Jâbiriens. Mémoires de l’Institut d’Égypte. 45, 1 (1943).
الجزء الاول كان سردا لكتب ورسائل المنسوبة لجابر بن حيان وما يوجد لها من مخطوطات ويرى عبد الرحمان بدوي ان الكتاب هو اعظم بحث كتب حتى الآن في ميدان تاريخ العلوم عند العرب
27-ويسرد عبد الرحمان بدوي ثمرات كثيرة لاعتكاف كراوس في المكتبات العربية في القاهرة مدققا في المخطوطات و الكتب كما ينقل بدوي دقة دروس كراوس في الجامعة المصرية وتميزه في تدريس السريانية و العبرية وفقه اللغة العربية وفقه اللغة المقارن والتراث اليوناني و شرح نصوص عبرية من الكتاب المقدس وهو في مقامه هذا قد خلف مستشرقين سابقين عملوا في الجامعة المصرية كاسرائيل ولفنسون و يوسف شاخت .
28-اثناء عمله الاكاديمي و بحوثه و تعلميه أسس لنظريته حول الكتاب المقدس وفحوى النظرية أن نصوص اسفار الكتاب المقدس وبعض الكتب المقدسة القديمة هي شعر و ليست نثرا وراح لاثبات نظريته راح يبحث عن تلاوة صوتية خاصة لهذه الاسفار وبدأ يلقي المحاضرات عارضا و شارحا نظريته هذه في القاهرة في 1943 و في القدس سنة 1944 وتعرض نتيجة هذه النظرية لهجوم عنيف من اليهود في القدس واتهم بالجنون ويقول عبد الرحمان بدوي انه التقاه بعد عودته من القدس وكان في حالة يأس شديد. السؤال الذي قد يتبادر للباحث هنا هل لهذه النظرية علاقة بعلم التلاوة و علم التجويد في الاسلام؟
29-من الملاحظات ايضا ان كراوس تزوج للمرة الثانية بعد طلاقه من اخت مستشرق معروف يتقاطع تخصصه مع بحوث كراوس وزوجة كراوس الاولى تزوجت بعد طلاقهما من مستشرق معروف اما زوجته الثالثة فهي مستشرقة صهيونية لم يتمكن عبد الرحمان بدوي من معرفة حقيقتها على ما يبدو في موسوعته وهو حتى انه لا يذكر اسمها و هي Dorothee Metlitzki أو Devora Metlitsky التي تزوجت بعد انتحار باول كراوس بعالم مصريات شهير (لابد من التوقف قليلا عند هذه الدوائر العائلية بين المستشرقين )
30-حول انتحار بول كراوس هناك فرضية قدمها عبد الرحمان بدوي هامة وخطيرة عن تحالف العلمي و السياسي و الايديولوجي في مسارات المستشرقين وهناك باحثين آخرين لم يشر اليهم بدوي يرون ان الانتحار هو جريمة قتل مموهة وكانت لاسباب سياسية
عمر قصير لهذا المستشرق ونشاط مشهود وثراء كبير في اطار فلسفة حياة واختيارات تستوقف الدارس المجد.
ولا نملك إلا استرجاع معاني القرآن الكريم
من الآية 104 من سورة النساء
إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون ۖ وترجون من الله ما لا يرجون ۗ