تذكير ضروري
أمين الخولي و الحركة الاصلاحية في المسيحية.
شخصية الشيخ أمين الخولي(مواليد 1895) ثرية و جدلية وفي تراثه تقاطع بين تأثيرات متعددة نتاج اصول ريفية و حياة في كنف عائلة الأم في القاهرة .تلقى تعليما دينيا تحت رعاية العائلة التي اختارت له التعليم الازهري رغم ميوله الى التعليم المدني وقد اختار في مرحلة حاسمة من حياته بإصرار مدرسة القضاء الشرعي التي تجمع بين التعليم الديني و التعليم المدني و تفوق في دراسته فتم تعيينه مدرسا بها عام 1920 و في 1923 .
في 1923 سافر أمين الخولي كإمام الى ايطاليا للمفوضية المصرية هناك.وكان مرجعا دينيا للقنصليات القريبة من مقر اقامته و كان ذلك تجسيدا لمشروع دافع عنه في تفعيل الدبلوماسية الدينية من خلال تعيين علماء الدين في المؤسسات القنصلية والسفارات و تقنن ذلك بالمرسوم الملكي في نوفمبر 1923والذي نص على تعيين أئمة للسفارات الرئيسية في الغرب فعُين الشيخ محمد حلمي طبارة في واشنطن و الشيخ عبد الوهاب عزام في لندن و الشيخ محمد البنا في باريس و ثُبت الشيخ امين الخولي في روما .
وهذا يذكرنا برحلة الامام رفاعة الطهطاوي في 1826 الى باريس و التحولات التي رافقت تفكير رجل محافظ في بلد أوربي يشهد تحولات كبرى على كل الاصعدة وكيف تحول الطهطاوي من امام للطلبة المبتعثين الى دارس يريد أن يصل الى أكبر مرافئ علوم بلد ناهض هو فرنسا التي جاءت في غزو الى شرق أفاق بعده المسلمون الى الهوة التي سقطوا فيها و العالم حولهم يتقدم.
حاول الطهطاوي بأدواته فهم الحراك الباريسي و خانه التمكن من اللغة الفرنسية فاجتهد في تجاوز هذه العقبة أما الخولي فقد تعلم اللغة الايطالية و دخل من خلالها الى التراث الغربي بثرائه و استشراقه.
في سنوات اقامة الخولي بايطاليا كان الاهتمام بحوار الاديان ينمو في العالم و كُلف الخولي بتمثيل مصر في المؤتمر الدولي لتاريخ الاديان ببروكسل في سبتمبر 1925 و كان رفيقه في الرحلة الشيخ مصطفى عبد الرازق.
قدم الشيخ امين الخولي محاضرة تحت عنوان:صلة الاسلام بإصلاح المسيحية و اراد من خلالها اثبات دور جسور المعرفة بين اوربا و الاسلام في ارساء حركة الاصلاح المسيحي الذي نبذ تسلط رجال الدين و وقوفهم دون التواصل المباشر و الحقيقي بين المؤمنين و خالقهم.و دافع الشيخ عن فرضيته التي تقول ان عداء رجال الكنيسة للفلسفة الاسلامية و الرشدية خير مثال على صحة ما يقول و السبب ما تثيره تلك الفلسفة من تحفيز على التفكير الحر .
الأمر الملفت للانتباه هنا هو ما نعرفه من موقف مرافق الشيخ الخولي الشيخ عبد الرزاق و تحفظاته تجاه التراث الفلسفي الاسلامي من خلال كتابه:تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية فمما جاء فيه:
« الباحث في تاريخ الفلسفة الاسلامية يجب عليه أولا أن يدرس الاجتهاد بالرأي منذ نشأته الساذجة الى أن صار نسقا من أساليب البحث العلمي له أصوله و قواعده يجب البدء بهذا البحث لأنه بداية التفكير الفلسفي عند المسلمين و الترتيب الطبيعي يقضي بتقديم السابق على اللاحق و لأن هذه الناحية أقل نواحي التفكير الاسلامي تأثرا بالعناصر الاجنبية فهي تمثل لنا هذا التفكير مخلصا بسيطا يكاد يكون مسيرا في طريق النمو بقوته الذاتية وحدها فيسهل بعد ذلك أن نتابع أطواره في ثنايا التاريخ وأن تتقصى فعله و انفعاله فيما اتصل به من أفكار الأمم« .
في عام 1926 تم تحويل الشيخ أمين الخولي الى ألمانيا ليشغل نفس الوظيفة و لا يضيع الشيخ الفرصة في تعلم اللغة الالمانية وكتابة بعض مقالاته باللغة الالمانية.
الملاحظ هنا أن محاضرته عن الاصلاح المسيحي تحولت الى كتاب كتب مقدمته الشيخ مصطفى عبد الرازق و ة.
وفي عام 1927 عاد الخولي الى مصر بعد الغاء المنصب الذي شغله فالتحق بمنصب عمله قبل رحلة اوربا و ذلك في مدرسة القضاء الشرعي وأُسند أيضا للشيخ تدريس مقياس الأخلاق في الازهر و هنا نتذكر الاجتهاد الاستباقي للشيخ عبد الله دراز في بحثه عن دستور الاخلاق في القرآن و هو أيضا كتب في تاريخ الاديان و كانت له اسهامات في ملتقيات دولية متعلقة بالأديان .
مما يسجل عن هذه المرحلة في حياة الشيخ الخولي تدريسه لنظرية النشوء و الارتقاء في الازهر مقدما اجتهادا خاصا في فهمها و رؤيتها من منظور الاسلام حيث رأى الشيخ ان الحاجز بين الداروينية و الاسلام هو الاسرائيليات التي وجهت آيات القرآن صوب التفاصيل التوراتية و شروحاتها اليهودية و فهم الشيخ الخولي لنظرية داروين اقرب الى فهوم بعض المؤرخين المسلمين في الحتميات و دورات حياة الأمم و ابن خلدون أكبر مثال على ذلك.
درّس الشيخ الخولي ايضا الفلسفة و تاريخ الملل و النحل في الازهر و درس علم البيان و التفسير و الادب العربي و الادب المصري في العصور الاسلامية بالجامعة المصرية و درّس أيضا بمعهد فن التمثيل العربي و الموسيقى المسرحية.
دخل الشيخ أيضا معارك فكرية منها ملفه في اصلاح الازهر و توحيد التعليم و جعل التعليم الازهري اقرب الى التعليم المدني و توضيح رسالة الازهر في جانبها الدعوي و جانبها الاكاديمي.
كما كانت للشيخ الخولي مواقف اثارت ضده تيار من العلماء كتأييده لطروحات طالبه محمد احمد خلف الله في بحثه عن:الفن القصصي في القرآن الكريم.
معروف عن الشيخ اهتمامه بطلابه حتى أنه تزوج احدى انجب طلابه وهي الدكتورة بنت لشاطئ و قد أسس معهم جماعة الأمناء و مجلة الادب و اشرافه على الطلبة و جهوده في التدريس و الادارة جعلت انتاجه أقل من مواهبه و اجتهاداته حتى لامه من يعرف قدره فكان رده:انني أُشبه سقراط أعيش في تلاميذي أكثر مما أعيش في كتاب.
نسبت للشيخ الخولي مدرسة التفسير البياني للقرآن الكريم وهو ما يجعل التبحر في اللغة العربية وعلومها شرطا أساسيا لفهم آيات القرآن .
ولفهم جزء من مشروع الشيخ الخولي يمكن الرجوع الى كتابه:مناهج التجديد في النحو و البلاغة و التفسير و الأدب.
الشيخ أمين الخولي يرى أن الخطوات العملية للتفسير الادبي هي تجميع الآيات التي تدور حول موضوع واحد و ترتيبها احصائيا ثم متابعة ترتيب الآيات و سياقاتها الزمانية و المناسباتية فيتحرك المفسر في مجال دراسة محتوى القرآن و ما يدور حول ذلك المحتوى وهو مايراه البعض نقلا و تبيئة لمنهج شلايرماخر .
وهذا التوجه لا يأتى إلا بخطوتين الأولى دراسة ما في القرآن والثانية دراسة ما حول القرآن من سياقات مادية و معنوية. انضم لمدرسة الخولي أعضاء ساهموا في تطوير آلياته مع التوغل في تطبيق خطوات المنهج ومن أبرز من فعل ذلك طالبة وزوجة الشيخ أمين الخولي الدكتورة عائشة عبد الرحمان بنت الشاطىء عبر مشروعها في التفسير البياني و غيره من كتاباتها الغزيرة دراسة للاعجاز القرآني و جمالياته وكذا كل من شكري محمد عياد و خلف الله و نصر حامد أبوزيد و السيد خليل
ارجع بعض الدارسين الخلفية التي انطلق منها الخولي للتأسيس لمدرسة التفسير الادبي الى مصدر التراث الاسلامي خصوصا عبد القاهر الجرجاني و ابو اسحاق الشاطبي و مصدر التراث الغربي و الاستشراقي خصوصا المدرسة الالمانية بتيارها الرومانسي و الفيلولوجي
و ان كان منهج الكتابة في عصر الخولي لا يوثق بدقة الاحالات و المرجعيات مما يصعب على الدارس تتبع المشارب التي أخذ منها الخولي من باب الاصطلاح و المنهج.
في كتاب:مناهج تجديد في النحو و البلاغة و التفسير و الأدب الذي قدم له تلميذ الشيخ الخولي شكري محمد عياد
الذي يقول عن درس استاذه:لم يكن يؤمن بأن المعرفة تلقين بل كان يؤمن بأنها اكتساب ..كان يؤمن بأن المعرفة حرية عمل انساني مجيد لا تكتمل الكرامة الانسانية و لا يصح المجتمع الانساني بدون السعي اليه..كان يعلمنا أن أول التجديد قتل القديم فهما .
يرى الشيخ أمين الخولي: أن
المنهج الأدبي في التفسير هو أن التفسير الادبي هو اول ما يجب ان يحاوله من لهم بالعربية صلة لغوية أدبية سواء أكانوا عربا أم غير عرب ..واذا كان وجه الرأي أن هذا التفسير الادبي ينبغي أن يتناول القرآن موضوعا موضوعا لا قطعة قطعة فعلى هذا الاساس يكون منهج التفسير الادبي اذن صنفين من الدراسة :
1- دراسة ما حول القرآن: منها دراسة خاصة قريبة الى القرآن و دراسة بعيدة عنه و الدراسة الخاصة هي مالابد من معرفته مما حول كتاب جليل كهذا ظهر في زهاء عشرين عاما ثم ظل مفرقا سنين حتى جمع …ثم قراءته و مسايرةة هذه القراءة للتطور اللغوي…وغيرها مما اصطلح على تسميتها علوم القرآن وكان أكثر المفسرين يلمون في مقدمة تفاسيرهم بشيء من القول في النزول و الجمع و القراءات و…وقد أفرد ما حول القرآن من تلك الموضوعات حديثا بالعناية عند من يمارسون هذه الابحاث من الغربيين و كان أجل من كتب في ذلك منهم الالماني نولدكه صاحب كتاب تاريخ القرآن الذي اشترك في تحقيقه و اكمال طبعته الثانية نفر من علماء الألمان .
و أما ما حول القرآن من دراسة عامةهي دراسة ما يتصل بالبيئة المادية و المعنوية التي ظهر فيها القرآن و عاش و فيها جمع وفيها كتب و فيها قرئ و حفظ و خاطب أهلها أول من خاطب و اليهم القى رسالته لينهضوا بأدائها وابلاغها شعوب الدنيا فروح القرآن عربية و مزاجه عرب و أسلوبه عربي….لزمت المعرفة الكاملة لهذه البيئة العربية المادية :ارضها بجبالها و حرارها و صحاريها…….فكل ما يتصل بتلك الحياة المادية العربية وسائل ضرورية لفهم هذا القرآن العربي المبين ومع هذا ما يتصل بالبيئة المعنوية بكل ما تتسع له هذه الكلمة في الماضي
2-دراسة في القرآن.
دراسة القرآن نفسه فتبدأ بالنظر في المفردات و المتأدب يجب أن يقدر عند ذلك تدرج دلالة الالفاظ و اثرها في هذا التدرج يتفاوت ما بين الاجيال و بفعل الظواهر النفسية و الاجتماعية وعوامل حضارة الامة.
بعد المفردات يكون نظر المفسر الأدب في المركبات:و يستعين بالعلوم الادبية من نحو وبلاغة .وغيرها ولكن لا على أن الصنعة النحوية عمل مقصود لذاته و لا يلون التفسير كما كان الحال قديما بل على أنها أداة من أدوات بيان المعنى و تحديده و النظر في اتفاق المعان معاني القراءات المختلفة للآيات الواحدة و التقاء الاستعمالات المتماثلة في القرآن كله ثم على أن النظرة البلاغية في هذه المركبات ليست هي تلك النظرة الوصفية التي تعنى بتطبيق اصطلاح بلاغي بعينه و ترجيح أن ما في الآية منه كذا لا كذا أو ادراج تآية في قسم من الاقسام البلاغية دون قسم آخر كلا بل على ان النظرة البلاغية هي النظرة الادبية الفنية التي تتمثل الجمال القولي في الاسلوب القرىني و تستبين معارف هذا الجمال القولي في الاسلوب القرآني.
هذه الفلسفة التفسيرية لمدرسة الشيخ الامين الخولي كيف قاربت موضوع دقيق جدا كالاصلاح المسيحي؟وربطه بالمثاقفة المسيحية( الغربية) الاسلامية (خصوصا في شقها الغرب الاسلامي)؟؟؟