شعوذة البحث في الاديان.
ملخص مداخلة في ندوة علمية
استطاعت بعض الجامعات الاسلامية الارساء لقواعد صلبة في صرح بحوث دراسة الاديان ولكن بعضها الآخر سقط سقوطا حرا في اتون الكارثة المتعددة الاوجه
يدرس بعض الطلبة الاديان لأنهم مشبعون بأحكام نجاسة الكافر و دفع الجزية و الاستعلاء المرضي فتكون دراستهم استهتارا علميا و فجورا منهجيا و وقاحة اخلاقية
استباحة معتقدات و شرائع و اخلاق وكتب الآخرين
فتكون مخرجات هذا العبث :
كائنات مشوهة انسانيا و خطيرة اخلاقيا ومدمرة و مدمرة علميا
لاهي احترمت القرآن الداعي للمعرفة الصحيحة بوابة للتعارف ومن ثم الدعوة
لا هي احترمت ابجديات البحث العلمي المتفق عليها عقليا وفطريا
وزادت مع هذا رفع الصوت عبر الوسائط المختلفة التي يبدون فيها مجانين يعيثون في الارض فسادا و الضحية هو الاسلام لولا حفظ الله
منذ سنوات اكتشف احد الاساتذة الافاضل ان بعض الطلبة يختارون تخصص مقارنة الاديان من غير اقتناع حقيقي بل السبب هو الفرار من تخصص العقيدة الذي يرون انها تشمل كثيرا من المواد العقلية بينما يتصورون دراسة الاديان لعبة لا تقتضي إلا السب و الشتم و الاستعانة ببعض الاقوال المبتورة قيلت منذ ازمنة بعيدة كانت لها اسبابها و ملابساتها و خضعت منذ ذاك للتشريح العلمي الموضوعي الذي يثمن تلك الجهود و يبين ايضا العثرات التي يستفاد منها لإثراء البحوث و بناء المكتبة التي تليق بإتباع دين لا يحتاج الى شتم الآخرين من اجل ابراز محاسنه .
تاريخ المسلمين فيه تجارب منيرة في الالتزام العلمي و المنهجي و الاخلاقي في التعرف و دراسة أديان الآخرين كتجربة البيروني الذي لم يسلم ايضا من نقد الباحثين المسلمين بحثا عن اعلى سقف في الجودة و الابداع
البيروني شخصية محورية في مسار علوم الأديان في التراث الاسلامي و قدم اجتهادات تستحق الانكباب عليها بحثا عن أدلة معضدة لفرضية أنه أول من ألف في دراسة الأديان بالطريقة الأقرب الى الموضوعية و الحياد فيما وصلنا من تراثنا .
بحوث البيروني شملت الحضارة و الاديان و التاريخ و الرياضيات و علم الفلك و الفيزياء و الجيولوجيا و الصيدلة كما كانت له بعض الاختراعات التي ساعدته على انجاز بحوثه المتنوعة.
رافق السلطان الغز نوي في رحلته الى الهند و هناك تعلم لغة البلد و اطلع على كتبهم و سأل علمائهم و رجال الدين كما عكف على دراسة جغرافية وتاريخ البلد .
البيروني من خلال كتابه :”تحقيق ما للهند …”
يذكر بعض المؤشرات المنهجية الواضحة فهو يقول مثلا:
إنما صدق قول القائل “ليس الخبر كالعيان” لأن العيان هو إدراك عين الناظر عين المنظور إليه في زمان وجوده و في مكان حصوله و لولا لواحق أفات بالخبر لكانت فضيلته تبين على العيان و النظر لقصورهما على الوجود الذي يتعدى أنات الزمان و تناول الخبر إياها و ما قبلها من ماضي الأزمنة و بعدها من مقتبلها حتى يعم الخبر لذلك الموجود و المعدوم معا. و الكتابة نوع من أنواعه يكاد أن يكون اشرف من غيره فمن أين لنا العلم بأخبار الأمم لولا خوالد آثار القلم ثم إن الخبر عن الشيء الممكن الوجود في العادة الجارية يقابل الصدق و الكذب على صورة واحدة…
ويضيف بنفس الوضوح :
الأخذ عن المخالفين و الخصوم: الموجود عندنا من كتب المقالات و ما عمل في الآراء و الديانات لا يشتمل إلا على مثله فمن لم يعرف حقيقة الحال فيها اغترف منها ما لا يفيده عند أهلها و العالم بأحوالها غير الخجل أن هزت بعطفه الفضيلة أو الإصرار و اللجاج أن رخت فيه الرذيلة و من عرف حقيقة الحال كان قصارى أمره أن يجعلها من الأساطير يستمتع لها تعللا بها و التذاذا لا تصديقا لها و اعتقادا.
يصل البيروني إلى العينة التي اختار أن يطبق عليها منهجه:
“و كان وقع المثال في فحوى الكلام على أديان الهند و مذاهبهم فأشرت إلى أن أكثرها هو مسطور في الكتب هو منحول و بعضها عن بعض منقول و ملقوط مخلوط غير مهذب على رأيهم و لا مشذب فما وجدت من أصحاب كتب المقالات أحدا قصد الحكاية المجردة من غير ميل و لا مداهنة سوى أبي العباس الايرانشهري.”
أبو العباس هذا هو أستاذه و قد رافقه مرة كسجين و يبدو أنهما راجعا كتابا للأستاذ تبين أنه أخطأ فيه و حرصا على المعرفة المستنيرة نصح الأستاذ تلميذه النجيب باستدراك الأمر فربما هذه الروح العلمية التي يراجع صاحبها إنتاجه و لو مع تلميذه هي التي جعلت البيروني يقر لأستاذه بالريادة العلمية.
يورد البيروني بعض الأفكار الهامة لضرورة الدراسة الموضوعية لأديان الآخرين كتصحيح معلومات الكتاب المسلمين حولها حيث يقول :
نصرة لمن أراد مناقضتهم و ذخيرة لمن رام مخالطتهم … غير باهت على الخصم و لا متحرج عن حكاية كلامه و اباين الحق و استفظع سماعه عند أهله فهو اعتقاده و هو أبصربه.
و يضيف:” وأنا في أكثر ما سأورده من جهتهم حاك غير منتقد إلا عن ضرورة ظاهرة“
يزودنا البيروني بمعلومات هامة عن مشروعه لتقديم معرفة موضوعية عن أديان الهند فيقول لنا أنه سبق له بداية هذا المشروع بترجمة كتبا هندية في صميم موضوع كتابه:
” كنت نقلت إلى العربي كتابين أحدهما في المبادئ وصفة الموجودات و اسمه “سانك” و الآخر في تخليص النفس من رباط البدن و يعرف “بياتنجل” و فيهما أكثر الأصول التي عليها مدار اعتقادهم دون فروع شرائعهم.”
ويشرح البيروني أنه كان يسأل علماء الدين عما استشكل عليه:
“فسألت البراهمة عنه فأنكروه “.
يعترف البيروني بأن هناك ظواهر دينية مشتركة بين كل البشر منها اختلاف مظاهر التدين بين العامة والخاصة و لكنه يسارع إلى التأكيد أنه لا يكتف بالعموميات بل يورد مثالا من عمق الديانة التي يدرسها حيث يقول:
“إنما اختل اعتقاد الخاص و العام في كل أمة بسبب أن طباع الخاصة ينازع المعقول و يقصد التحقيق في الأصول و طباع العامة يقف عند المحسوس و يقتنع بالفروع و لا يروم التدقيق….. و لنورد في ذلك شيئا من كتبهم لئلا تكون حكايتنا كالشيء المسموع فقط.”
ويبين البيروني أخطاء المسلمين في اصدار أحكام عما لم يفهموه من اعتقادات المخالفين:
“إنّ أصحابنا في هذه الديار لم يعهدوا طرق الهند في أحكام النجوم بل لم يقفوا قطّ على كتاب لهم فيها، فلذلك يظنّون بهم الموافقة و يحكون عنهم حكايات ما وجدنا عندهم منها شيئا“
ومن نماذج اجتهادات البيروني ما قاله حول تحريم اكل لحم البقر :
و سمعت إنّ البراهمة كانت تتأذى بأكل لحمان البقر،و أنا أظن في ذلك أحد أمرين، امّا السياسة فإنّ البقر هي الحيوان الذي يخدم في الأسفار بنقل الأحمال و الأثقال و في الفلاحة بالكرب و الزراعة فحرّم كما حرّمه الحجّاج لمّا شكي إليه خراب السواد، و حُكي لي أنّ في بعض كتبهم: أنّ الأشياء كلها شيء واحد و في الحظر و الإباحة سواسية، و إنّما تختلف بسبب العجز و القدرة، فالذئب يقتدر على حطم الشاة فهي أكلته و الشاة تعجز عنه و قد صارت فريسته، و وجدت في كتبهم ما شهد بمثله
يتفق ما قاله البيروني مع ما جاء في كتابات رواد دراسة الاديان في الازمنة الحديثة الذين يقرأهم الباحثون و ليس البهلونيون :
Friedrich Max MULLER. حدد الشروط التالية لأي بحث في الاديان:
1-دافع قوي للقيام بالدراسات المقارنة حول الاديان.
2-توفر المادة العلمية اللازمة .
3-منهج مقبول لدى الجميع ينظم هذه المادة العلمية ويجعل منها بناء محكما .
الملخص :
1-لا يتصدى لهذا النوع من البحوث إلا من يملك اسبابا قوية لتحمل المثابرة و التعمق في فضاءات غير معتادة .
2-لابد من توفر المادة العلمية من مصادر اولية و دائرة من المراجع الضرورية لفهمها وفهم ملابساتها المعقدة مع البحث عنها في مظانها و لغاتها .
3-الحرص على الخطوات المنهجية الموضوعية و الحيادية التي تجعل النتائج اقرب الى المصداقية تتفق عليها العقول.
4-عندما ينجح الباحث ببناء قاعدة صحيحة لبحثه يجوز له دخول باب النقد وهنا ايضا لابد من التذكير أن:
داخل كل الاديان تيارات منشقة متعارضة تنقد بعضها بعضا ويمكن الاستفادة منها في معرفة الديناميكية الداخلية للأديان وتتبع تاريخ وضع أسس الدين ال”القانوني” .
5-يفهم دارس الاديان تاريخ ومصطلحات ومكونات الدين الذي يدرسه كما يراه اتباعه علماء و عامة ولكن ايضا في دراسته لا يكون تابعا للدين بل ينتقل منهجا و بحثا الى الفضاء الحيادي مثلا اذا درس الصلاة في المسيحية يدرسها داخل المنظومة المسيحية بتنويعاتها ثم يدرس الصلاة المسيحية بعيدا عن تأويلات علماء المسيحية أي من خارج المسيحية مثلا :آليات منهج علم نفس الاديان و علم اجتماع الاديان و حتى اقتصاد الاديان من بعض الزوايا