ملك اليسار .
1
أم سفيان هي أم صديق سليمان المتوفى.
هاهي تعود .
من المهمة التي كلفها بها سليمان .
أن تعلم زوجة الامام برغبة سليمان في خطبة ابنتها .
وجه أم سفيان كان مكفهرا رغم أثار صراع مرير على وجهها لترسم ابتسامة .
ودون تلعثم قالت له :
انها لم ترفض فقط و لكنها أهانتني و اهانتك .
قبّل سليمان رأس أم سفيان و رافقها صامتا الى بيتها و عاد مسرعا الى بيته .
لم يبك .
فبينه و بين الصدمات رفقة طويلة جعلته يتمترس وراء جملته الرصاصية كلما عيره أحدهم بأهله:
اذا كان من عيره بعائلته مؤمنا فسلوكه دليل كفره اذ كان يقول :ربك الذي تعبده هو الذي اراد ذلك.
وان كان غير مؤمن ذكره بالحرية و الارادة .
صحيح ان الرد فلسفي لا يقنع الكثيرين و لكنه يرضيه.
والده توفي في عراك في مخمرة .
أمه تركتهما عند جدتهما لأبيهما و هربت .
الجدة المسكينة كانت مصابة بالصرع و كانت تجد صعوبة في الاهتمام بحفيديها و لكنها صبرت الى أن جاء اليوم الاسود الذي كان فيه سليمان في المدرسة وعندما عاد وجد البيت يشتعل و ماتت الجدة و اخته و البيت اصبح رمادا .
مرت طفولة سليمان صعبة في التنقل بين اقاربه من ابيه و بدأ العمل مبكر ليستقل بنفسه .
انتقل بعدها الى رحلة اخرى في التنقل بين الفنادق الرخيصة .
2
الى ان جاءه الفرج من زميل له هاجر الى استراليا .
كان يملك بيتا صغيرا وقرر أن يبيعه لسليمان على أن يسدد ثمنه بالطريقة التي تساعده و في الزمن الذي لا يظلم فيه نفسه
ويصب المبالغ في حساب بنكي لصديق سليمان .
كانت اوراق البيت جاهزة و لكن سليمان رفض قبول العرض إلا بقبول صديقه ورقة قانونية للاعتراف بالدين .
وتمت الامور بطريقة قانونية
علم سليمان لاحقا ان صديقه مزق ورقة الاعتراف خشية ان يتوفاه الله في استراليا و يطمع في البيت الورثة فيشردون سليمان .
واصل سليمان دراسته العليا و كان يقبل بأي عمل يدر عليه مالا يسدد به ثمن الشقة و يوفر منه ما يحتاجه في زواجه.
فهم اذن من رفض زوجة الامام ان عار عائلته هو السبب .
لم يحزن كعادته و واصل حياته مصرا على التميز و النجاح .
هو خطب ابنة الامام لأنه راسلها وقبلت بالفكرة .
ولاحظ في ردها اندفاعا يقترب من الطيش .
لذلك سارع الى الطريق الواضح و الشرعي مع اعجابه بالفتاة .
3
مر على الحادثة شهرا .
اتصلت ام سفيان بسليمان لأمر مستعجل
و هو كعادته لا يتأخر عنها
هي لا تحتاجه في أمورها الحياتية لأن زوجها و أولادها يحيطون بها و لكنها احيانا تطلب منه خدمات خاصة بصدقات و مهمات بينها و بين الله عزوجل .
كانت وحدها في البيت و رأى في وجهها ابتسامة حقيقية .
قالت له بصوتها الملائكي :
سيزوجك الرسول عليه الصلاة والسلام
وسارعت لتبديد حيرته :
اتصلت بي زوجة الامام و قالت انها رأت الرسول عليه الصلاة و السلام في المنام و انها لامها على ما فعلته معها و مع طلب سليمان و أنه أوصاها به خيرا.
فرح سليمان بالرسول أكثر من فرحته بالزواج .
ومرت اجراءات الزواج سلسة فهو قدم مهرا مناسبا بشرط ان لا يقيم حفلا في بيته رغم اصرار ام سفيان على التكفل بكل شيء.
امام اصرارها قبل بان تكون هناك حفلة استقبال للعروس في بيته بأشخاص يحددهم هو لا يتجاوزون العشر و أن يضمن للعروس موكبا يجول بها العاصمة .
كانت العروس جميلة و طيبة و حريصة على بيتها و لكن طيشها و بعض الامور الاخرى استوقفت سليمان اذ كانت بعض سلوكاتها و احاديثها اقرب الى طيش المراهقات و الشابات من خلفية غربية و ابعد ما يكون عن تربية بيت امام .
لكنه كان سعيدا خصوصا و ان زوجته اثبتت له انها ام صالحة .
4
في احدى الليالي كانت حماته في بيته و عندما تزوره تصر ابنتها على قضاء الليلة معها في الصالون .
وكان هو نائم في غرفته وبابها موصدة.
لكنه خرج للذهاب الى المطبخ ولأنه بطبيعته هاديء لم يرد احداث حركة تقلق ضيفته و زوجته و خصوصا الرضيع و الصبي .
سمع حماته تُذكر ابنتها انها لولا حنكتها هي لما وجدت من يتزوجها بعد الاشاعات الخطيرة عن سلوكات اختها الكبرى
التي مازالت لم تهتد.
صدم سليمان و تحمل العطش و عاد الى غرفته .
لم يستطع النوم وبدأت الشكوك تساوره حول زوجته .
ولكن كل المؤشرات تدل على انها زوجة صالحة و ام صالحة و محبة و مسؤولة .
و اعاد في ذهنه ما قالته حماته ليتأكد من جملتها ليس فيها اي خدش في سلوك زوجته.
الشك بدأ يتسلل الى عقله و لكن قلبه ثابت على محبة زوجته .
بطريقة دقيقة و مدروسة زار الحي الذي يسكن فيه اصهاره .
السكان لا يعرفونه لأنه لا يخالط الناس كثيرا اضافة الى تغيير في هندامه.
وادعى أن أخاه يريد خطبة ابنة الامام الكبرى.
وكان يختار الناس الذين يسألهم من الكهول و الشيوخ الذين يبدو عليهم الوقار و التدين.
وخصوصا أصحاب المحلات .
الأغلب كان يدعي عدم معرفتها وكان يشعر ان ذلك من باب الرقي الاخلاقي .
لكن البعض ايمانا بمسؤولية الشهادة في مشروع الخطبة كانوا ينصحونه بالتريث و سؤال العارفين .
لكن أحد الشيوخ نصحه صراحة بصرف النظر عن المشروع و بأن يجد لأخيه امرأة أخرى .
وسع سليمان من أسئلته ليجد الاجابة القاصمة .
و فضل كتمان الخبر في قلبه .
لم يجرؤ عن السؤال عن زوجته لأن الأمر قد قضي ولأن زوجته لم يصدر عنها إلا كل خير باستثناء ذلك الطيش .
ولكنه بقي حذرا وأكثر صرامة في مراقبة تحركاتها .
وبمرور الوقت يتأكد من سلوكها المحترم إلا بعض الكبرياء و الاستعلاء عندما بدأ أطفالهما يكبرون فهي تكاد تعيش في حلف مع اولادها ضد ابيهم وكان هو يرجع ذلك الى صرامته.
5
في أحد الأيام سمعوا صراخ جارتهم مع جلبة
سارع الى مصدر الصوت :
كانت هناك امرأة حامل مع عجوز تقفان أمام باب الجارة وهي تصرخ وتلوح بيدها ..
بصعوبة فهم أن الحامل هي زوجة جاره عرفيا و ان العجوز امها و انها جاءت تعلم الزوجة القانونية ان عليها امضاء وثيقة قبولها بالزوجة الثانية لتتمكن من تسجيل ابنها القادم في دفتر عائلي .
أحرج سليمان ولكنه جر وراءه ابن جاره المراهق الى بيته و اعطاه الهاتف ليتصل بأبيه .
رد الطفل ولكن أبي في العمرة .
في كل هذا لاحظ ان زوجته عادت الى بيتها بهدوء عندما علمت سبب الصراخ و الجلبة .
استغرب الامر فرغم ان علاقتها بالجارة لم تكن دائما على مايرام بسب الاطفال إلا ان الموقف الحساس كان يجب أن يؤجل كل تلك الصراعات .
استغرب لأنه يعرف أن زوجته تغار عليه كثيرا و هو كان دائما سعيدا بهذه الغيرة و يحترمها
فكيف لم تتعاطف مع الزوجة المخدوعة.
عندما سألها قالت ببرودة غريبة:
ربما الثانية كانت من ملك اليمين .
لم يستوعب و لم تترك له فرصة الاستفسار حيث ذهبت الى المطبخ لتحضير افطار رمضان .
وكلما أراد فتح الموضوع معها سدته بطريقة عنيفة بادعاء أن كل الامر لا يهمها.
6
عادت الامور الى طبيعتها و باع الجار بيته و انتهت القصة نهائيا.
كان من عادة زوجة سليمان الاقامة في بيت اهلها الاسبوع الاول من العطلة
و كعادته يوصل عائلته عند اصهاره و يعود الى البيت اذ نادرا ما كان يمكث في بيت اصهاره إلا للسلام و التهنئة بالعيدين.
قرر أن يعود الى البيت مشيا وفي الطريق أذن لصلاة الجمعة و كان اقرب مسجد له هو الذي يؤمه صهره .
دخل للصلاة و بعد نهاية الصلاة سمع أصواتا غريبة و حركة فوضوية في الصفوف الاولى .
لم يفهم و لكن ما وصله أن أحد المصلين شتم وبصق على الامام .
كان يسمع بالاعتداء على الائمة و بالصراعات بين المذاهب و الاحزاب في المساجد لكنه شعر يتعاطف مع صهره وفضل عدم لقائه رفعا للحرج.
في طريقه الى البيت سمع بعض المصلين يقول أن المعتدي اتهم الامام بالتخلي عن ابنتيه و اضطر خالهما الى تسجيلهما في دفتره العائلي .
لم يصدق ما يسمع و هو لن يستطيع نقل ما سمعه لزوجته لحبها لأبيها و لاصرارها الدائم على عدم اشراكها في أمور عائلتها و لأن قبل كل هذا الموضوع خطير .
لم ينم و بدأ القلق يسكنه و الحيرة تشل تفكيره السليم.
وقفزت الى ذهنه قصة الاشاعات الخطيرة حول اخت زوجته والتي بسببها ادعت حماته ان الرسول عليه الصلاة و السلام هو الذي أمرها بقبول سليمان عريسا لابنتها.
علاقته بحماته كانت في حدود اللياقة وهي أقرب الى الجفاء و نادرا ما كانت تطيل الحديث معه . .
فقد سليمان راحة البال وان كانت تجارب الحياة علمته فقه الاولويات :أبنائي بخير زوجتي بخير و تقوم بواجباتها
لكنه اصبح يضيق ذرعا بتكبرها و استعلائها …..
رغم ذلك هو حريص على استقرار بيته.
كان له زميل دراسة يسكن في حيه انتقل الى العمل في منطقة نائية .
كان أحيانا يطلب منه قضاء حوائج أسرته .
وهو لم يكن يتأخر خصوصا و أن زميله مبتلى بابن معاق .
كان ينسق مع زوجة زميله بأن يضع لها الاغراض أمام بيت الشقة وينسحب ثم يتأكد بالهاتف أنها تسلمتها .
كما كان يوفر لها سيارة الاجرة عندما تريد أخذ ابنها الى الدكتور .
تضحك زوجة سليمان دائما و تقول له:كل هذه الخدمات و أنت لا تكاد تعرف وجه زوجة زميلك.
ليرد بسرعة:لأنني لو كنت مكانه لارتحت لهذه الطريقة و فقط.
ازدادت العلاقة متانة بين سليمان و زميله و جاره .
في احدى المرات و هم في جولة استجمام مع الاطفال قص الزميل لسليمان قصة مهولة:
في المنطقة التي يعمل بها حدثت مصيبة تقشعر لها الابدان:
عنوانها أخ يريد الزوج من أخته
ودون ان يترك جاره في حيرة أردف :
في تلك المنطقة الامية متفشية و البنات نادرا ما يتجاوزن السنة الرابعة او الخامسة في الدراسة أما الذكور فذهابهم الى المتوسطة انجاز يحتفل به و لكن سرعان ما يعود المراهق الى البيت لرفضه التعليم الداخلي و لاستحالة ذهابه اليومي الى المتوسطة فليحق بأخواته في الامية .
اذ بمرور الوقت ينسى الجميع الحروف التي تعلموها و بالتالي لا يحسنون قراءة وثائقهم العائلية.
في تلك العائلة كان الجميع يعرف أن فتاتين هما ابنتا فاطمة العمة و ان أباهما مات.
وأن خالهما كفلهما مع امهما الشابة.
ما لم يكن يعرفه الاطفال و اعلب الراشدين انهما مسجلتان في الدفتر العائلي لخالهما باعتبارهما من صلبه ومن زوجته.
عندما كبر الاطفال اراد ابن الخال الزواج من ابنه عمته فهي تربت معه و لم تكن هناك رضاعة بينهما.
لم يمانع احد الى ان تذكروا انهم على الاوراق الرسمية اخوة اشقاء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وبدأ الزميل الجار يشرح التعقيدات القانونية خصوصا مع وفاة الاب البيولوجي …..
ألح سليمان على معرفة اسم الاب البيولوجي .
استغرب الزميل هذا الالحاح ولكنه وعده عندما يعود الى عمله ان يسأل عنه .
7
بعد أيام تلقى سليمان عبر رسالة نصية اسم الاب البيولوجي للفتاتين
انه صهره الامام .
قفز كالمجنون الى زوجته .
يسألها باصرار هل تزوج أبوك بغير أمك
شعرت بالإحراج و الخوف و تذكرت أن أخاها غير الشقيق يقطن باستراليا وصديق زوجها ايضا باستراليا .
فسارعت :
نعم ابي كان متزوجا قبل امي و عنده اطفال من زوجته الاولى لا نعرفهم فقد طلقها عند زواجه بأمي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لم يكن سليمان يعلم هذا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
و بإصرار سألها :
وهل تزوج لاحقا و امك على ذمته.
سارعت باطمئنان :ابدا و هل تقبل امي ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ثم رمى عليها القنبلة :
و الفتاتان في قرية………………..
ردت بجنون :
لم تكونا إلا بنات ملك اليمين التي احتاج اليها ابي بعيدا عن امي عندما كان منتدبا .
ارتمى على السرير مستغربا هذه الوقاحة .
نظر الى غرفة ابنائه و غرفة بناته
وشعر أن العالم حوله من غير وجود.